الأربعاء، 30 يناير 2013

حائر القطار



كنت في القطار برفقة زوجتي ..
مُسافر من فينيسيا إلى روما عاصمة إيطاليا ..


وعند أول محطة وقف عندها القطار ، إذا بشاب إيطالي من سني .. جلس بالمقعد المجاور لمقعدي .. قال لي بصوت متوتر وخائف : "بونجور" .. وتكلم معي بالإيطالية ولم أفهمه بادئ الأمر فهو لا يجيد الإنجليزية .. حتى علمت أنه مسافر على متن القطار بدون دفع قيمة التذكرة ..
فهو فقير ولا يملك المال كما أشار إليّ .. 



فكرت أولا بأن أتركه وشأنه ..

ثم فكرت ورأيت أن أساعده .. فأنا مسلم .. ومن واجبي نشر السعادة عند الآخرين .. حتى وان لم يكن من المسلمين !

فإذا كنت أتمنى لهذا الشاب -ولأي شخص غير مسلم على وجه الأرض- أن يهديه الله إلى الإسلام .. فهذا معناه أن يدخل معي إلى دار السلام >> الجنة .. 

وطالما أردت له الجنة فليس من المعقول أنني لا أحبه ! وإلا لما أحببت أن يهديه الله لما هداني إليه -وأسال الله الثبات لي ولكم على طريق الهداية-

ولا ننسى أن خير دعوة إلى الإسلام .. تكون بحسن التعامل بالأخلاق الفاضلة ..

فقلت له -بالإنجليزية مع الإشارات- أهدئ واسترخي وصلّ واطلب من الله المساعدة والعون فهو يراك ..

فأصبحت رفيقه خلال الرحلة .. وكلما مرّ أي شخص بجانبه عبر مقطورتنا فضلاً عن الضابط المسئول عن التذاكر -الذي يتأكد من أن الجميع بحوزتهم تذكرة تثبت أنهم قد دفعوا ثمنها- كان يتوتر وينظر إليّ ويتغيّر لونه تماماً !


و عندما رأينا الضابط وهو قادم إلينا .. بدا وكأن الموت أمام عينيه ..
ثم قلت له قبل أن يأتيه الدور .. اذهب بسرعة إلى دورة المياه واختبئ هناك حتى إذا مرّ من مكان جلوسك .. لن يعلم الضابط بوجودك ..

وفعل ذلك .. ونجى بفضل الله من هذا الضابط ، فـ شكرني كثيراً ..
فقلت له مبتسماً : لا تشكرني ! بل أشكر الله .. وأشرت إليه أنه في السماء ..

ثم اقتَرَحت عليَّ زوجتي بأن نعطيه بعض المال .. فأعطيناه ..
حتى انتهت الرحلة .. فرحل بعدها وهو مُبتهج والفرحة تعلو محيّاه .. ليكمل طريقه ..

أسمعكم الآن تقولون : كيف تفعل ذلك !! ولماذا تساعده وتعطيه بعضاً من المال وهو ليس مسلماً ! بل ومخالف للقانون أيضاً !!

فأقول : تخيلوا وقد نجى بسببي -بعد الله- وعرف بأنني مسلم فاسمي "محمد" وزوجتي مُحجبة ..
فإنه غالباً إن لم يكن أكيد .. سيكون لديه شغف كبير لمعرفة سبب مساعدتي له ! ولربما سيقرأ عن الإسلام لهذا السبب ..

وعندها سيكون الإسلام هو الذي يروج ويسوّق لنفسه .. 
فالإسلام قضية رابحة بلا شك .. ولكن المحامي ضعيف !
 
ووالله قد رأيت في عيني هذا الشاب -طوال الرحلة- نظرة الحائر الضائع الفاقد لفراغ هائل وكبير .. وأنا أعرف ضالته !

هو حائر ليس فقط لأنه مُخالف لنظام القانون ..
لا والله .. بل لأنه مُخالف لنظام الدنيا والآخرة بأكملها .. 

ونحن من واجبنا أن نُنَظِّم ونُصحح مسيرة البشر في هذا الكون ..
كفانا نوماً وغفلة .. فوالله ما عاد النوم يُريحُنا ولا الغفلة تمنحنا السعادة ! إنما الراحة ننالها فعلاً حين نتعب بالسير إلى الله .. وإنما السعادة تكون حينما يكون رب الكون راض عنّا غير غضبان .. 

(طيب! وماذا تريد بالضبط؟) أظنكم تسألونني !
فأجيبكم : إن كل ما أريده هو أن نحيا سُعداء بالسعي وراء إسعاد الكون كله .. فـ ننال عندها السعادة من خالق الأكوان سبحانه ..

ووالله إن حائر القطار هذا .. ليس حائر في هذا القطار وحسب ..
بل هو والله حائر في قطار الحياة .. لا يعرف ولا يملك تذكرة ركوب قطار الحياة المؤدي إلى الجنة !! وتذكرة الجنة هي "الإسلام"



ونحن .. أكرمنا المولى الوهاب .. بأن وهب لنا هذه التذكرة هبة منه سبحانه .. فهل سنحفظ حق هذه النعمة !!

وقد عرفنا أن السعادة وراحة البال لا تكون إلا بالسير في طريق الله والسفر إليه .. باختصار أن نكون : مع الله وبالله وإلى الله ..



بقلم المُسافر إلى الله \ محمد محمود يغمور
من داخل عربة القطار : السبت 14\3\1434هـ الموافق 26\1\2013م