الثلاثاء، 5 يوليو 2016

ذرّة من غبار !


لا أزالُ محروماً في غربتي .. مُفارقٌ لأهلي ووطني ..
بعيد عن أرض العرب قابع بين أهل الغرب .. أتابع أخبار بلادي ..

تفجير هنا وتفجير هناك ..
في بغداد .. القنصلية الأمريكية بجدة .. القطيف .. والأكثر مرارة عند الحرم النبوي الشريف!
حبي وعشقي .. عند قبر خير من مشى على الأرض ..

ما الذي يحدث ؟ ماذا ولماذا ؟



حلّقت روحي بعيداً عن جسدي ..
إلى هنا البلد الطاهر .. أمشي بأمان وسكينة ووقار .. مُخبتاً ومُخفضاً صوتي احتراماً لصاحب هذا القبر الشامخ عليه صلوات ربي وسلامه بل وحب قلبي وهيامه ..


فإذا بصوت التفجير المدوّي .. كأن صاحبه ما قرأ قول الله :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ "


وإذا بالدخان والغبار يغطي ساحات الحرم الشريف ..
وفاجئتني ذرّة غبار عابرة .. إذ بها تنطق وتسمع !

قالت هذه الذرة من الغبار :
قد عاصرتُ نبيّكم عليه الصلاة والسلام .. وداس عليّ مرات ومرات فازدتُ طُهراً ..
قد أبصرته وهو يدعو للإسلام ..
كان عزيزاً على الكفار .. رحيماً بالمؤمنين ..

قلت لها : حتى عكّر صفوكِ هذا الـ ...
قاطعتني : لا تقلها .. قد كفّروا أهل الإسلام حتى جازت لهم الدماء -بمنظورهم-
وقد سُئل الإمام علي كرّم الله وجهه أمامي عن الذين خرجوا عليه وقاتلوه!
أكفار هم؟ فقال : من الكفر فرّوا ..
فقالوا : إذاً منافقون؟
فقال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً -يقصد أن هؤلاء يذكرون الله كثيراً-
فقالوا فما هم يا أمير المؤمنين؟
فقال علي كرم الله وجهه : "إخواننا وإن بغوا علينا .. قد قاتلناهم ببغيهم" !

فقلت لذرة الغبار : وما تريدينني أن أقول فيهم ؟؟ وقد استحلّوا دماءنا بل وحرمة الحرم النبوي الشريف !!

قالت: كن واعياً كما كان نبيكم ..
إن هذه الجماعات قسمين ..

(١) قادة و (٢) أتباع ..

(١) قادة هذه الجماعات ..
فهم -ولا شك عندي- عملاء لأجندات تهدف لتدمير الإسلام ..

و (٢) الأتباع ..
وهم أيضاً ينقسمون إلى قسمين آخرين ..

(أ) مؤمن و (ب) بائس ..

(أ) البائس ..
يئس الحياة وضاع في دوامتها .. فهو يريد الهروب من فشله هنا إلى جنة هناك ..

وأما (ب) المؤمن ..
فهذا إيمانه قوي جداً ..

فقاطعتها : أي إيمان وهم يفعلون الأفاعيل في مساجدنا !!
قالت: هم مؤمنون لدرجة أن الواحد منهم يتحزم بمتفجرات ويضحي بنفسه وروحه لأجل ما يؤمن به! ولكن خانته الفكرة !!

وأنا أرى أن تهتموا بهؤلاء .. لأني أفهم دوافعهم .. فهم شباب أبصروا حال أمتهم وواقعها المرير ..


فها هم إخوانكم في فلسطين يتجرعون مرارة ظلم إحتلال غاشم لعقود من الزمان! ومقدساتكم تُنتهك كل يوم بالأقصى الشريف .. ولم يُحرّك قادتكم ساكن !


وها هم إخوانكم في الشام يُقصفون بلا رحمة أو هوادة في مدن الشام العريقة ..

وفي العراق يُذبح أهلكم ذبح الأضاحي ! ولا زالت حكوماتكم تغط في نوم عميق !

وفي مصر يُدعم العسكر ويُسجن أهل الإسلام ظلماً !

واليمن الذي ما عاد سعيداً بعد الآن ..

والعنصرية ضد مسلمي بورما في أراكان .. ومسلمو تركستان الشرقية في الصين .. والأحواز في إيران ..

والمصائب كثيرة وفي عشرات الأماكن ..
والضحية واحدة هي أنتم .. أمة الإسلام!

فقلت لذرة الغبار : وما الحل مع هؤلاء ؟
قالت : هؤلاء صِغار .. أكثرهم لم يتاجوز العشرين من عمره!
ينقصه الوعي أو قل إن الجهل عنده قد طغى بشكل مخيف ..

بالإضافة إلى أنه لا يجد هؤلاء في بلادكم -للأسف الشديد- إلى من يحتويه ..
فهم طاقات مُهدرة ..

إن هذه الجماعات فكر .. والفكر لا يواجه أبداً بالقمع .. بل يواجه بفكر آخر .. وإلا فسوف يزيد ويتفاقم!

قلت : وكيف ذلك ؟
قالت : بالحوار معهم .. بـ فتح أبواب النقاش بلا حساسية مفرطة وباحترم للآخر ! أيا كان هذا الآخر ..

وعليكم أن تجددوا مناهج الدين في المدارس لتكون مناهج ذو روح وحياة ورحمة ووسطية ..
كالتي عايشتها قبل ١٤٠٠ عام ..
والأهم من هذا نشر ثقافة الإختلاف وقبول الآخر ..

يجب أن يخرج سجناء الرأي .. وتُفتح المنابر والقنوات للإسلاميين المعتدلين ..
فـ هذه الفئة من الاتباع -كما قلت- مؤمنة صادقة .. ولكن خانتها الفكرة!
وحبهم للدين متغلغل في أحشائهم وإلا لما ضحوا بأثمن ما عندهم .. النفس ..

لابد أن تحتووهم وتنادوا بأخوتكم ووحدتكم ..
فقلت : صدقتي فـ نحن أبناء وطن واحد وتجمعنا الأخوة الوطنية ..

قالت ذرة الغبار : بل تجمعكم الأخوة الإسلامية قبل الوطنية أو القومية أو أي شيء آخر ..
فـ بالإسلام سيحب الناس أوطانهم ..
وهذا ما شاهدته بأم عيني من نبي الحضارة ..

الذي آخى بين مهاجرين مكة وأنصار المدينة ..
أوسهم وخزرجهم ..
مسلمين وغير مسلمين ..

ثم همست لي بنبرة منخفضة .. تقول :
وعليكم ألا تبالغوا التمجيد لحكّامكم ..
فإن أحسنوا قولوا هذا حسن .. وإن أخطأوا -وهم بشر والطبيعي أنهم يخطئون- قولوا هذا خطأ ..

و والله لو فعلتم ما أقول .. لعاد الأمن وساد السلام في رحاب حضارة الإسلام ..

ولن يكون مجال لقادة هذه الجماعات من سرقة شبابكم الذين يريدون عزة الإسلام ولكنهم يخطئون طريقه ..

اللهم احفظ بلاد الحرمين وثالثهم القدس الشريف وسائر بلاد المسلمين ..
فقلت : آمين
ووفق ولاة أمرنا إلى ما تحبه أنت يا رب وترضاه ..


وإذا بالدخان الكثيف والغبار يغيبان عن ساحات المسجد النبوي الشريف .. و تبقى القبة الخضراء شامخة .. والمدينة منورة .. وأنت يا سيدي علمها بل علمنا جميعاً ..
وكلنا أتباعتك يا نبي الرحمة والسلام على العالمين .. ونبي العزة والجهاد على الظالمين المعتدين ..
صلى عليك الله وسلم يا من فداك نفسي ..

وعادت الأجواء صافية نقية في كل سماء رقعة بلاد المسلمين ..

وعادت روحي إلى جسدي .. ولا زال عقلي يفكر ..
س\ ترى أيعي أصحاب القرارات في أمتنا كلام هذه الذرة من غبار ؟



بقلم\ محمد يغمور
لوس أنجلوس ٢٩ رمضان ١٤٣٧هـ