:: بين غُربَتي وعُروبَتي ::
ابتعدت عن موطني العربي مضطراً لسبب واحد لا سواه .. هو حاجتي للتقدم والعلم الذي تفوق به الغرب علينا ..
وكلما اشتقت إلى حيث انتمي ..
وتذكرت سبب بُعدي : وهو تقدمهم وعلمهم ..
تذكرت سبب حُزني : وهو تخلفنا وجهلنا !
والتخلف : عكس التقدم ، أي التأخر والبقاء في آخر الركب بالخلف ..
والجهل : عكس العلم والمعرفة ، ويدخل فيه السفاهة بأن لا يدرك الشخص مصلحة نفسه ..
وهذا ومع كل أسف هو حالنا !!
ولست بهذا القول أبتغي السلبية أو تثبيط العزائم والهمم ولا داعياً إلى الإحباط ..
كلا ..
بل هي الرغبة في معرفة الخلل بالتحديد كي نتمكن من إزالته تماماً كـ الورم الخبيث الذي لا بد أن نعترف بوجوده فـ نستأصله من جذوره ونتخلص منه ..
وعند الحديث عن التقدم ومظاهر الحضارة والعلم والرقي ..
أتألم وأنا أتذكر أن مكان هذه الحضارة الطبيعي على مر الأزمنة هو بلادنا ..
فـ عندما أرى هذه الحضارة والعلم والتطور والرقي التي يتمتع بها الغرب أشعر أنني في وطني .. غير أنها لا تنطق العربية ولا صلة لها بالإسلام ! فـ أشعر بغربة !
وعندما أعود إلى وطني العربي .. وأرى التخلف الذي أبدعنا العيش فيه ! فأشعر أنني غريب في وطني !
غريب وطبعاً غريب .. لأنه لم يكن للحضارة تربة خصبة وبيئة مناسبة لها إلا في ديارنا ..
يا للغرابة !!
كيف صارت الحضارة تنسب إلى غيرنا .. بل كيف باتت الأنظار كلها متجهه نحو الغرب .. ونحن نقف بعيداً خارج المشهد كأنه لا وجود لنا !
أشعر وكأن لعنة الغربة تطاردني وتطارد كل مسلم معاصر في هذا الزمان !
فهو غريب في وطنه بين أهله ، وغريب خارج حدود بلاده ..
إن بي من المشاعر والأحاسيس التي أكنها لأمتي الكثير والكثير ..
فـ صبراً عليّ أيا قلمي .. يوشك أن يجفّ الحبر حزناً ولم تجفّ بَعدُ الدماء !
إذ يا لِحُزني من له ؟
إن كان الدمع يبكي لما آل إليه حال المسلم في أرضي ..
والأرض الثابتة أصبحت تهتز استغراباً وهي مستنكرة مما يجري فوقها ..
وبات السحاب لا يطيق أن يظل فوق الظالمين الفاسدين ..
بل والله إن الهواء ليختنق في الأجواء التي يتنفس فيها هؤلاء !!
قد صار الظلم وهو صاحب الصوت القبيح حسناً جميلاً أمام الناس .. والمظلوم بات ظالماً !!
صار الرأي ومجرد الكلام فيما يخالف هوى أصحاب السلطة جريمة الجرائم .. استبيحت به الدماء فـ واعجباه !!
ولكن مهلاً .. حزني هذا وإن كان ظاهره اليأس من شدة الأسى والغرابة ..
إلا أن باطنه الهمة والرغبة المشتعلة للعمل على تحسين حالنا إلى ما يرضي الرحمن الرحيم ..
يا أمة تخلفت وتأخرت .. هلمّي إلى مكانك فقد اشتاق لكِ الكون ..
يا أمتي ..
قد ابتعدنا عن الطريق الصحيح .. وتأخرنا كثيراً ..
أفلا نعود !
لِمَ لا نتقدم إلى الوراء ؟!!
نعم .. هذا علاجنا !
أن نتقدم إلى ماضينا لنقتبس من نوره .. فنشرق كما كنا وأكثر ..
أمتي .. قد علمنا سبب إشراقنا على مر التاريخ .. أفلا نشرق مجدداً ؟
فـ والله الذي لا إله إلا هو .. لن يصطلح حال هذه الأمة العظيمة إلا بأمر أعظم ..
وهل هناك أعظم من الإسلام ؟
الدين الخالد المتجدد ..
فهو القديم بعراقته والجديد بمواكبته ، الثابت بأصوله والمتغير بفروعه ، المبني على الفهم واحترام العقول وإقناعها والمبني كذلك على التسليم ..
فهو القديم بعراقته والجديد بمواكبته ، الثابت بأصوله والمتغير بفروعه ، المبني على الفهم واحترام العقول وإقناعها والمبني كذلك على التسليم ..
هو ما أصلح به السابقون فنالوا العزة وتقدموا وسادوا وقادوا الأمم ..
فـ هو التقدم وهو الحضارة وهو العزة ..
عزيزي \ عزيزتي .. إن كنت ممن ينتمي لهذه الأمة ..
فـ كن كما كان أفراد هذه الأمة في أيام مجدها ..
كن كما كانوا ..
في زمن الصحابة .. والتابعين ..
في زمن عمر بن عبدالعزيز .. وهارون الرشيد .. والمعتصم !
في زمن صلاح الدين الأيوبي .. وسيف الدين قطز .. ويوسف بن تاشفين ..
كن أنت وما تنتمي إليه وتحب ..
كن الإسلام ..
كن قرآناً يمشي على الأرض ..
كن من إخوة المختار الذين بكا شوقاً إليهم ..
كن ممن ينالواً حقاً الانتماء لهذه الأمة .. يوم يقول كل نبي : نفسي نفسي ويقول أعظم نبي : أمتي أمتي ..
كن شخصاً آخر أفضل مما أنت عليه الآن -مهما كانت درجة إيمانك وارتباطك بدينك-
كن كلك لله ..
فـ أنت من الله وبالله تحيا .. وإلى الله المصير
رباه .. قد جددت نيتي ..
وغسلت ذنوبي بتوبتي ولن أزل أغسلها بإذنك ..
فزالت غربتي ووحشتي ..
وآنست بك وبقربك .. بك وبمعيتك ..
فسألتك ربي مهموماً حزيناً : "مَتَى نَصْرُ اللَّهِ" ؟
فكان جوابك فرجي وفرحتي : "أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"
إن غيابي عن وطني رغم ما فيه من آلام وصعوبة لفراق أحبابي الأهل والأصحاب ..
وخصوصاً الغالية أمي "علوية مدني" نبع الحنان ووالدي العظيم السيد "محمود يغمور" داعمي وسَندي ..
إلا أنه غياب جزئي وليس كامل لثلاثة أسباب :.
إلا أنه غياب جزئي وليس كامل لثلاثة أسباب :.
الثالث : أنني سأعود إليه بعون الله بعد انتهائي من الدراسة خلال سنوات فأهنئ بلقيا الأحبة مجدداً ..
والثاني : أنني سافرت ومعي وطني "زوجتي الحبيبة" حفظها الله
والأول : أن الغربة غُربة القلب ، وأنا معي ربي ..
فـ الله أُنسي وحُبي وهو معي هنا وهناك
بقلم العربي الغريب / محمد محمود يغمور
الجمعة 6 ذي الحجة 1434هـ | 11 أكتوبر 2013 م
فـ الله أُنسي وحُبي وهو معي هنا وهناك
بقلم العربي الغريب / محمد محمود يغمور
الجمعة 6 ذي الحجة 1434هـ | 11 أكتوبر 2013 م