الجمعة، 23 سبتمبر 2011

المواطن محمد يغمور بين غمضة العين والإبصار

(( المواطن محمد يغمور بين غمضة العين والإبصار ))


جلست بغرفتي المطلة على أحد شوارع وطني الذي أحبه .. بأرض الحرمين في الحجاز .. ممسكاً قلمي لأكتب ما تجود به قريحتي ..

فأغمضت عيناي وراحت بي الأشواق إلى موطني الأول والأساسي .. الموطن الذي لم أسكنه بعد ولكني أسعى جاهداً إليه وسأسكنه .. هو الموطن الذي كان يسكنه أبي برفقة أمي .. ولكنهما خرجا منه ..
نعم .. لعلكم عرفتم أي وطن أقصد .. إنها الجنة موطن كل مسلم ..
ولكن .. حين نزلا وهبطا إلى الأرض .. وهي الموطن المؤقت للبشرية كلها .. وجاء من نسله خير من مشى على الأرض .. حبيبي ونبيي محمد عليه الصلاة والسلام .. الذي سنشرب من يديه الشريفتين يوماً ما شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً ..
ورأيت جبال مكة –وأنا لا أزال مغمضاً عيناي- وكيف هبط الوحي برسالة خير دين إلى خير نبي من أعظم العظماء رب العالمين ..


فـ بدأ النبي دعوته .. ولما أشتد عليه الأمر وعاداه قومه .. أمره المولى جل وعلا بمغادرة مكة المكرمة موطنه الذي يحب إلى المدينة المنورة موطنه الذي أحب .. كما في الحديث بصحيح البخاري "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد"
فأراه الآن بالمدينة يشاور أصحابه .. أيقاتلوا معه مشركي قريش أم لا ؟ فوافقوا بكل حرية فكانت وقعة بدر الكبرى والانتصار العظيم .. ثم عادت قريش للانتقام من جديد .. فاستشار النبي أصحابه مجدداً : أنقاتل بين شوارع المدينة ؟ أم نخرج لقتالهم ؟ ورغم أن رأي النبي كان القتال بين شوارع المدينة إلا أنه نزل عند رغبة أصحابه فخرجوا إليهم لتكون معركة أحد ..
وأيضاً يوم اجتمتعت القبائل والأحزاب .. بادر الصحابي الجليل سلمان الفارسي بمشورة حفر الخندق حول المدينة .. ورحب النبي بذلك .. فإن سلمان الفارسي الأعجمي ! رغم أعجميته إلا أنه يتمتع بحقوق المواطن العربي في المجتمع النبوي مثله في ذلك مثل المهاجرين و الأنصار من أوس أو خزرج .. فكان الانتصار العظيم في غزوة الأحزاب ..
وما لبثت السنين تمضي – وأنا لا أزال مغمضاً عيناي- حتى أبصرت النبي الكريم يدخل مكة فاتحاً .. فتصبح الحجاز هذه البقعة المباركة هي الوطن الإسلامي الأول ..
ثم فتحت عيناي .. وأنا لا زلت بنفس المكان .. نفس البقعة ..
فتذكرت ما حصل بين الحرمين –جدة- من سيول كم سقطت معها من ضحايا ..
لا لأنها كارثة طبيعية ! بل لأنها رد فعل طبيعي لفساد غير طبيعي على أرض شرفها الله بطبيعتها المميزة لاحتضانها هذا الدين العظيم المرسل من وحي السماء ..
وتغنيت بأبيات الشاعر :.
بلغي أرض الحجاز مهبط الوحي المبين :: خالص التسليم مني للنبي طه الأمين
بات دمع العين يجري كالدما بين غصوني :: من ذنوب أثقلتني أصلح الله شئوني
وعدت أغمض عيناي مرة أخرى لأبصر بنفس المكان .. الصحابي الجليل الحب بن الحب أسامة بن زيد بن حارثة يطلب الشفاعة بحد السرقة لأمرأة شريفة من بني مخزوم ، فكان جواب النبي عليه الصلاة والسلام : أتشفع بحد من حدود الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها !!
ففتحت عيناي مجدداً .. وتملأني الحيرة والدهشة !! فقد تكررت كارثة السيول مرة أخرى بعدها بعام !!
فـ ما الذي حصل؟ وما الذي تغير ؟! لا تزال الأرض نفس الأرض !! والمكان نفس المكان !!
ثم نسيت هموم هذه الكارثتين .. والسبب فرحتي بسقوط نظام فاسد أفسد وبغى في تونس بلدي والتي أعدها جزء من موطني الإسلامي الكبير .. ولكن ماهي إلا لحظات حتى نغّصت عليّ فرحتي باستضافة بلدي لهذا الطاغية زين الهاربين بن علي .. والمبرر: "الاستضافة عُرف عربي والمستجير يجار"
عجيب ! أو نسينا قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم : "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا" والمحدث في شرح الإمام النووي : الذي يأتي بفساد في الأرض .. وهل هناك إفساد أكبر مما أفسده هذا الطاغية ؟ يكفيه فساداً أنه منع الحجاب !!
 
وما زاد الطين بلة .. أننا استضفنا علي عبدالله طالح .. وهو لا يزال إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها يستمر بطغيانه وجبروته .. فالشهداء يفوحون مسكاً .. والأمهات يبكون دماً ..
اعتذر لك يا وطني .. فاليوم هو يوم فرحة الوطن .. ولكن كلامي هذا ما هو إلا كلام مواطن محب لبلده .. لا بل عاشق لترابها .. فوالله قد سافرت وطفت بلاد كثيرة .. ولكن ما أن أقضي أيام خارج حدودك يا وطني حتى أحن وأشتاق إليك !
ثم أغمضت عيناي مجدداً .. فرأيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأرى أحد الصحابة يعترضه قائلاً: لو اعوججت لقومناك بسيوفنا ! فلم يحبسه أو يسجنه .. بل قال له : الحمدلله الذي جعل من أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر بحد سيفه ..
ففتحت عيني سريعاً .. ورأيت أناساً من بلدي وفي بلدي .. ولكنهم لا يمشون كما أمشي ولا يخرجون من بيوتهم كما أخرج .. فهم سجناء في السجون .. ولكن ما جرمهم؟ جرمهم أنهم فقط سجناء رأي !!
ولكن رغم ذلك مشاعري نحو الوطن ، كما قال صديقي الشاعر عبدالكريم الوائلي:.
بلدي وإن جارت عليّ عزيزة :: أهلي وإن جاروا لهم قلبي نزل
فـ لا يظن أو يشك أحد بوطنيتي وحبي لهذا الوطن .. إني والله لو خيروني ماذا تريد أن يكون موطنك ؟ لأردت أن يكون هذا الوطن فهي أرض الحرمين .. والحمدلله أني سعودي ..
يكفيني فخراً شعار هذه البلد .. فـ هذا العلم الذي يرفرف .. لو طفنا كل البلاد وتأملنا أعلامها .. لما رأينا أعظم من هذا العلم الذي نرفعه عالياً خفاقاً .. كيف لا وهو يحمل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" .. واللون الأخضر الذي يرمز للنماء وللخيرات .. والسيف الذي يرمز للقوة والعزة ..
ولكي أكون منصفاً .. فـ كما ذكرت حزني وألمي من استضافة طواغيت ببلادنا .. لا يجب أن أنسى الوقفة العظيمة للملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله باستدعائه وسحبه السفير السعودي من سوريا التي تفوح مسكاً بشهداءها منذ شهور وإلى اليوم ..
ومن المواقف التي لن أنساها –وإن لم أعايشها- بل لن ينساها التاريخ .. وقفة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله –نحسبه شهيداً ولا نزكيه على الله- حين نادى بالجهاد وصرّح برغبته في القضاء على الكيان الصهيوني الغاصب .. دعماً لفلسطين قضية كل المسلمين ..
ولا أستطيع أن أنهي المقال بدون ذكر واحدة من إنجازات الوطن بخدمة حجاج بيت الله الحرام في موسم الحج عاماً بعد عام .. ولا أغفل التوسيعات العظيمة بالحرمين الشريفين المدني والمكي ..
وطن .. من العيب أن أحاول أن أحصي إنجازاته في مقال واحد .. فلا أحد يستطيع ذلك !
ولكن كـ مواطن .. من العيب أن لا أتكلم عن وطني وأذكر إيجابياته وسلبياته بكل حرية .. لذلك كان هذا المقال ..
وأخيراً تركت القلم .. ونظرت إلى العلم الذي أعشقه .. وتأملت بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ..
وأغمضت عيناي للمرة الأخيرة .. فعدت إلى نفس المكان ولكن بالعهد النبوي لأبصر النبي وحوله الصحابة الكرام .. وأنا أتأمل وأقول : لا زلنا على عهدك يا رسول الله .. فكلمة التوحيد التي ناديت بها خفاقة مرفرفة في أعلامنا وترفع إلى اليوم في الطرقات والشوارع بيد شبابنا ..
وتعهدت بأني كما أرى "لا إله إلا الله" مرفوعة عالية على الأعلام .. سُأسكنها صميم قلبي وأعايشها يومياً .. فـ لن تكون مجرد شعار مرفوع على علم .. بل هي مضمون يطبّق على أرض الواقع ..
و كل عام وأنتم والوطن بكل خير .. وسائر بلاد المسلمين ..
بقلم\ المواطن محمد يغمور
اليوم الوطني - الجمعة 25 شوال 1432هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق