الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

خمسة أكواب من الدموع


((خمسة أكواب من الدموع))

سُكبت من عيناي هذا المساء دموع الوداع لأختي وزوجها وعائلتهما الكريمة بسبب سفرهما إلى بلاد بعيدة في سبيل طلب العلم ..


ومع هذه الدمعات التي انسكبت .. راحت بي ذاكرتي إلى الأوقات والأسباب التي تنسكب لها الدموع بالنسبة لي  خاصة وبالنسبة لأغلب الناس عامة ..


 ومع التفكير .. اتضح أن لي خمسة أكواب مليئة بالدموع ..

1- الكوب الأول أو الدموع الأولى إن صح التعبير :.
(دموع على أمل اللقاء في الدنيا)
وهي التي سكبتها عيناي هذا المساء .. فدمعة لأجل زوج أختي "البراء" وهو العالم الكبير والقدير -كما أراه- والذي سيعود بمشيئة الله بكل جديد ومبدع من غربته ..
ودمعة لأجل الأقمار الصغار "ماريّا" و"تسنيم" التي تسمّى برواية أخرى "توتة" :)
ولـ "جمال" حبيب خالو .. الذي كان يناديني بـ"آمّنيه" بدلاً من "خالو محمد" ولا أعرف على ماذا استند أو من أين أتى بهذه الأحرف!
ولكنه تطوّر فيما بعد وأصبح يناديني "خالو حمّد" إلى أن أصبح يناديني هذه الأيام ويضحكني كثيراً حين يقول "خالو محمد رسول الله"

والدمعتان الأخيرتان في الكوب الأول لـ "محمود" الطفل الرضيع ذو النظرات البريئة .. ولأم القماري أختي "أم جمال" التي أنتظر منها العودة بفارغ الصبر وهي مشتعلة بالنشاط والحيوية في مجالها العلمي .. فأسأل الله لها ولزوجها ولجميع طلبة العلم التوفيق والسداد ..


2- أما الكوب الثاني أو مجموعة الدموع الثانية :.
(دموع الفرح) وقد شعرت بهذه الفرحة بالأمس حين أرادت إحدى الشخصيات الحبيبة إلى قلبي متابعة حفظ كتاب الله .. والتحليق عالياً كالأرواح الملائكية لتسمو بعظمة كلام الله .. ولم أتمالك نفسي إلا وقد أهديت هذه الشخصية الرائعة التي اعتبرها "لـ قلبي سعادة" كتاب تفسير مبسط –وللعلم لدي منه نسخة أقرأها كلما دعتني الحاجة- وسأتذكر من أهديت كلما قرأت ;)


3- الكوب الثالث أو مجموعة الدموع الثالثة :.
(دموع الوداع لفقد الأحباب) وهذا الكوب قد امتلئ مما سَكَبتهُ عيناي من حزني على فراق السيدة الفاضلة التي ساهمت مع أمي في تربيتي ، وهي "ستي صديقة جعفر" رحمها الله التي تسكن البقيع -والتي أهديت إلى روحها جميع حلقات برنامجي أسلحة السيرة النبوية ، كما ذكرت في الحلقة الأخيرة-


والبكاء على فراق الأحبة أمر طبيعي وإنساني .. فهذا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بكى على فراق ابنه إبراهيم حين مات بين يديه وقال : "تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون" رواه مسلم ، وغيرها من المواقف التي تروى عن بكائه لفقد أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ..

المهم .. كانت لحظة الوداع –وفاتها- في 7 جمادى الثاني 1425هـ
وفي هذا التاريخ .. كانت مرحلة أو نقطة تحول بالنسبة لي .. فحين افتقدتها –ولا زلت أفتقدها- بدأت أفكر في أننا جميعاً إلى هذا الطريق .. فكما يقول الشاعر :.

ما هذه الأيام إلا مراحل :: يحث بها حادٍ إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها :: منازل تطوى والمسافر قاعد!

فـ غيّرت من نمط حياتي التي اعتدت أن أعيشها في مراهقتي –لا تفهموني بشكل خاطئ فلم أكن شاباً طائشاً أو سيئاً جداً ، أعني إلى حد ما- ولكني قررت منذ تلك اللحظة أن أعيش لأجل الله .. وإلى الآن لا زلت أجاهد نفسي في سبيل تحقيق ذلك ..

فـ اسأل الله أن يعينني ويعين جميع المسلمين للوصول إلى رضا الله ، وأن يرحم أحبابنا الذين نفتقدهم .. آمين


4- أما الكوب الرابع أو مجموعة الدموع الرابعة :.
(دموع للأمة) فهي دموع اسكبها كل يوم على الآلام التي أراها وتعانيها أمتي "أمة الإسلام"
فـ  في فلسطين وما يفعله أحفاد القردة والخنازير بإخواني يحرق دمي !! ولكن ما لا أطيق تحمله أكثر هو الراعي الخائن لرعيته !! فكما يقول الشاعر :.
لا يلام الذئب في عدوانه :: إن يك الراع عدو الغنم

وللأسف هذا ما نراه من طواغيت يتجبرون .. أبكي بسببهم إخواني الشهداء .. ولكن قد تحولت كثير من هذه الدموع المؤلمة إلى دموع فرح ! فلقد فرحنا بتساقط رؤوس الفساد والظلم في الربيع العربي وهم أشبه ما يكونون بتساقطهم هذا بـ تساقط الأوراق في الخريف !! وهذا ما أرقبه هذه الأيام في اليمن وسوريا بإذن الله ، فسوف تتبدل هذه الدموع المؤلمة إلى دموع فرحة –كما تبدلت مع من سبقها-


5- أما الكوب الأخير أو مجموعة الدموع الخامسة والأخيرة :.
(دموع الحب الأعظم) وهي الدموع التي يسكبها المحب المشتاق شوقاً وتوقاً إلى الحبيب الأعظم الودود رب العالمين ..
وهي أيضاً تُسكب من خشية الله .. وفي الحديث الحسن يقول النبي "عينان لا تمسهما النار" أولهما: "عين بكت من خشية الله" رواه الترمذي ، فهي أحلى الدموع وأنقاها ، وقد قال ربنا في محكم التنزيل: (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) 83 المائدة
فماذا كان جواب الرحمن الرحيم ؟
لقد كان الجواب: (فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) 85 المائدة


وأخيراً .. وبعد كل هذه الدموع ..
أتمنى أن نكون فعلاً إنسانيين .. ورقيقي القلب لا متحجرين !
فـ لست أدعوكم إلى البكاء ، ولكني أدعوكم للرقة والرحمة وإلى الإنسانية ..
وهي تكون باليد والفعل العملي قبل الشكل المتمثل بالدموع ..

فـ يحكى أنه كان رجل يصطاد الطيور ، ودائماً يقطع أرجل هذه الطيور بكل قسوة بعد صيده .. وفي أحد الأيام وكان يوماً بارداً شديد البرودة .. دمعت عينا هذا الرجل بسبب شدة البرد –فليست دموع رحمة- عندها نظرت إحدى الطيور وقالت للتي بجانبها : أنظري إلى هذا الرجل .. إنه رقيق القلب فهو يبكي لأجلنا !
فتجيبها : لا تنظري إلى دمعة عيناه ، ولكن انظري إلى ما تفعل يداه !
وتذكرت حينها قول إخوة يوسف بعد فعلتهم : (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) 16 يوسف

فـ ليس المطلوب أن نبكي كالتماسيح بدموع مجردة من الرقة والأشواق والخشية ! بل هي الدموع التي تؤدي بنا إلى العمل الصالح والفعل الصادق الناتج من القلب ..

الثلاثاء 6 ذو القعدة 1432هـ
بقلم الإنسان \ محمد محمود يغمور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق